24 - 06 - 2024

كش ملك | يعيش الملك "المخنوق"!

كش ملك | يعيش الملك

الخنق" ليس جريمة قتل في الشطرنج ، ولا يعاقب عليه القانون ، بل كثيرا ما يكون حلا عبقريا من لاعب ينجو به من خسارة مؤكدة ويخطف تعادلا من فم الأسد بعد أن يعجز ملكه عن الحركة ويصبح مشلولا لا يستطيع التحرك إلى أي مربع على الرقعة ، لتنتهى اللعبة بموت الملك مخنوقا.

إلا أن "اللعبة"  تتواصل مع التاريخ ، وتستمر في الحاضر، تأكل وتشرب من السياسة، وتقتل بالخنق" الحضور العربي في الملفات الكبرى التي لم يتبق لنا (العرب) منها سوى أوراق معدودة في ملفي الأمن والثروة.

الأمن الإقليمي ، يخنق الدول العربية جميعها .. مصر، القلب العروبي في الإقليم ، تخنقها مياة النيل في الجنوب ، ويهددها الغرب بخطر سيطرة ميليشات دينية مسلحة معادية على دولة ليبيا (ما بعد سكوت المدافع ) الأمر الذي قد يشكل حاجزا أمام التحرك السياسي لمصر في المغرب العربي الكبير عموما، فضلا عن أنها المرة الأولى منذ انتهاء زمن الملكية في ليبيا ، تسعى دولة إقليمية مهمة (تركيا) إلى "خنق الدور المصري في ليبيا ودفعه إلى تقديم تنازلات في الشمال البحري الذي يطفو  فوق 122 مليار قدم مكعبة من الغاز.. بينما في الشرق تقف البلدوزارات الإسرائيلية تهدم منازل الفلسطينين ،وتحاول فتح الثغرة تلو الاخرى في حدار الامن القومي .

وحالة "الخنق" التي تعانيها مصر تحدث ضررا بجهازها التنفسي  ، بسبب إنخفاض كمية "الأكسجين" الواصلة إلى "رئتيها" ، ما أصاب الحريات بتليف خطير ينذر بسدة رئوية ، تهدد حياة السياسة في مصربالموت .. خنقا!    

السعودية يخنقها الجنوب بالسياسة والسلاح ، فضلا عن استنزاف المال أيضا.. بالسياسة تصطف المملكة إلى جانب غالبية النظم العربية الحاكمة التي ترى أن واشنطن بيدها 99% من أوراق اللعب ، وأن الأخيرة توفر الأمن الإقليمي للمملكة ، لمواجهة "الخطر" الإيراني.

الخليج العربي مخنوق أيضا من ملف "الأمن" ، ينتظر نتائج مفاوضات فيينا بفارغ الصبر بأمل الوصول مع إيران إلى صيغة توافقية على النظام الأمني في الخليج العربي ، وتخفيض حدة التوتر  وحالة العداء معها وعودة العلاقات، في نفس الوقت الذي تخنق فيه دولة الإمارات أشقاءها وتخطو استباقيا إلى إسرائيل بحثا عن الأمن بتنسيق خليجي وعدم ممانعة عربية.. انتقال السلطة داخل الأسر الحاكمة هناك يعد ملفا أمنيا هاما ، بات هو الآخر "مخنوقا" من نظام التوريث والانتقال الذي وضعه المؤسسون الأوائل منذ عقود طويلة ، ويرتكز إلى الأعراف السائدة تاريخيا في اليمن وأرض الحجاز ، وينقل السلطة بأحكام "شيخ قبيلة" لا بقواعد دولة.

ـ العراق مخنوق بالجغرافيا ، إيران شرقا وتركيا شمالا ، دولتان كبيرتان لهما مطالب أمنية من العراق ، ولا تترددان في انتزاعها ولو بالسلاح ، في نفس الوقت الذي تخنق فيه التيارات السياسية هناك بعضها البعض بحبل الدستور الطائفي الذي صنعه الأمريكي بول بريمر بعد غزو العراق العام 2003

ـ غزة والضفة ، كذلك مخنوقتان بالجغرافيا والسياسة معا ، صحيح أن الشعب الفلسطيني يتعايش مع القتل بالرصاص الإسرائيلي ، ويتحمل الخنق بالسلام العربي ، إلا أن النخب السياسية هناك تخنق بعضها بعضا بالمواقف المعلنة ونظيرتها الخفية .. وبعيدا عن الأسباب ، فإن السلطة ممثلة في ابو مازن (تنظيم فتح) تخنق المعارضة "الإسلامية" المسلحة (حماس والجهاد وغيرها) باتفاقات أمنية مع إسرائيل فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية  ، وحماس تضيق الخناق على السلطة ، فتمنع كوادر تنظيم فتح من النشاط في غزة ، وتحرم أبو مازن من صفة المتحدث الوحيد باسم الشعب الفلسطيني، على الأقل امام الرأي العام العربي والغربي.

القانون يبدو النموذج الأكثر وضوحا لنظرية "الملك المخنوق" في العالم العربي.. القانون لا يستطيع التحرك يسارا حيث يقف كهل، بلحية سوداء رغم أن عمره تجاوزالألف عام ، يبدو للناظرين وكأنه يخطو بقدمه اليمنى إلى الأمام في طريق القرن الثاني والعشرين بينما قدمه اليسرى ثابتة لا تتحرك ورأسه إلى الخلف ينظر إلى ماض بعيد ويلوح له بدعوة حضور .. كذلك ممنوع على الملك (القانون) التحرك يمينا ، حيث يقف "الفساد" بالمرصاد لا يسمح بالمرور إلا لأصحاب السلطة والنفوذ والثروة .. وإذا أراد "الملك" التقدم خطوة إلى الأمام سيجد الجندي (البيدق) يسد عليه الباب ، وأما إذا فكر "القانون" الرجوع للخلف فسيسقط حتما من فوق رقعة اللعب لأنه يقف في المربع الأخير ..لم يجد القانون مكانا له يتحرك و يصلح للعيش فمات مخنوقا ..بدون كش مات!
-------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الشارع لمين ؟





اعلان